على الرغم من أن علماء المواد أصبحوا الآن قادرين على هندسة المواد الاصطناعية التي تتوهج في الظلام بشكل أكثر فعالية من أي شيء طبيعي؛ إلا أن توهج حجر الهاكمانايت المعدني الطبيعي الرائع، لطالما كان لغزا حير العلماء.
وقد كشف فريق دولي متعدد التخصصات كيفية احتفاظ أنواع معينة من الهاكمانايت بتوهجها أثناء انتقالها من الضوء إلى الظلام، وأوضحت دراستهم الجديدة المنشورة في دورية “كيمستري أوف ماتيريالز” (Chemistry of Materials) أن مفتاح هذه الخاصية هو التفاعل الدقيق بين الشوائب الطبيعية للمعدن، والتي تحددها كيفية تكوينها.
توهج الهاكمانايت
من المتعارف عليه أن تغير ألوان الأحجار الكريمة ينتج عادة عن التأثير البصري، ويعتمد على نوع الضوء المسلط على الحجر وانعكاسه على العين.
وقد وصف الجيولوجيون المعدن لأول مرة في القرن 19، وكانوا مفتونين بميله للتوهج بهدوء عند كسره أو وضعه في الظلام، ثم يعاود فقده في الضوء.
والهاكمانايت في الأصل هو معدن يتشكل عادة في الصهارة القلوية منخفضة السيليكا، وهو معروف بقدرته على إظهار اللونية الضوئية القابلة للانعكاس، عند التعرض للأشعة فوق البنفسجية والأشعة السينية، وبسبب هذه الخاصية وجد الهاكمانايت الطبيعي استخداما متميزا، في الأحجار الكريمة على سبيل المثال.
يتغير لون الهاكمانايت الأبيض عند تعرضه لضوء الشمس، إلى الوردي الفاتح (أو الأرجواني)، وعند إعادته للأماكن الداخلية المغلقة فإنه يحافظ على لونه المكتسب لمدة لا تقل عن 12 ساعة قبل أن يعود تدريجيا الى لونه الأصلي.
التيتانيوم يصنع التوهج
في هذه الدراسة تم استخدام عينات من الهاكمانايت من غرينلاند وكندا وأفغانستان وباكستان، وتقول كيميائية المواد إيزابيلا نوربو من “جامعة توركو” (University of Turku) في فنلندا في بيان صحفي للجامعة “لقد أجرينا الكثير من الأبحاث على الهاكمانايت الاصطناعي، وتمكنا من تطوير مادة ذات توهج أطول بشكل واضح من تلك الموجودة في الهاكمانايت الطبيعي.. ومع ذلك، فإن الظروف التي تؤثر على اللمعان غير واضحة حتى الآن”.
وقد تمت دراسة مزيج من البيانات التجريبية والحسابية التي بينت أن تركيزات وتوازن الكبريت والبوتاسيوم والتيتانيوم والحديد كانت أكثر أهمية عندما يتعلق الأمر بالوهج اللاحق المنبعث من الهاكمانايت.
ووجد الباحثون أن التيتانيوم هو العنصر المتوهج بالفعل على وجه الخصوص، ومع ذلك، فإن تركيزات التيتانيوم وحدها لا تكفي لخلق اللمعان، حيث يتطلب المزيج الصحيح من العناصر الأخرى أيضا.
ويقول الباحثون إنه يمكن تحسين المواد الاصطناعية، وجعلها أكثر كفاءة وموثوقية من خلال هذه الأنواع من الدراسات، حتى لو كانت الطبيعة غير قادرة على مطابقة قوة التوهجات، التي يمكن هندستها في المختبر.
ويقول الكيميائي ميكا لاستوساري من جامعة توركو في البيان الصحفي “المواد المستخدمة في الوقت الحالي كلها اصطناعية، وعلى سبيل المثال، تحصل المادة ذات الشفق الأخضر المألوف من عنصر يسمى اليوروبيوم”.
حل لغز التلألؤ
شكل السبب في أن بعض أحجار الهاكمانايت يظهر توهجا والبعض الآخر لا يظهر؛ جزءا من اللغز.
ولكن من خلال مقارنة دقيقة للعينات المختلفة، تمكن الفريق من تحديد المزيج المطلوب من التلألؤ الضوئي البرتقالي (تحويل الفوتونات الممتصة إلى ضوء)، والتلألؤ الأزرق المستمر (ينبعث منها ضوء بدون تسخين)، واللون الضوئي الأرجواني (شكل من أشكال التحول الكيميائي الناتج عن الإشعاع الكهرومغناطيسي).
ويساعد الحصول على فهم أفضل لكيفية إصدار الهاكمانايت للونه المميز في الظلام العلماء على تطوير مواد اصطناعية قادرة على التوهج في الظلام دون أي مصدر للطاقة، كما هو الحال في علامات خروج الطوارئ في السفن والطائرات، على سبيل المثال.
ويمثل العمل الحالي تقدما جديدا في فهم السلوك الفوتوني وظاهرة اللمعان المستمر لمواد الهاكمانايت المتنوعة، والذي اتضح أنه يعتمد على التوازن الدقيق للشوائب الطبيعية الموجودة فيه، وهذا ما يفسر سبب كون التلألؤ المستمر لمواد الهاكمانايت الطبيعية أضعف بكثير من التلألؤ الاصطناعي.
مع ذلك، فإن قدرة التلألؤ المستمر لبعض الأحجار الطبيعية ما تزال تفوق قدرة العديد من مواد التلألؤ الثابتة الاصطناعية الأخرى.
المصدر : الصحافة الأسترالية + مواقع إلكترونية